بدعم الأمم المتحدة وتمكين ذاتي: شابات لبنان يُعدن صياغة مفهوم القيادة

© UNDP Lebanon

© UNDP Lebanon

© Ondes Team

© Ondes Team

previous next
2 سبتمبر 2025

بدعم الأمم المتحدة وتمكين ذاتي: شابات لبنان يُعدن صياغة مفهوم القيادة

 

في خضم أزمات لبنان المتعددة، ينهض جيل جديد من الشابات بدعم الأمم المتحدة ليأخذن مكانهن كقائدات فاعلات، لا كمجرد متفرّجات.

عندما كان يرتفع صوت أحدهم في غرفة يحتدم فيها النقاش ، كان ردّ فعل ريم حرزالله الفوري هو المغادرة. فقد اعتادت الطالبة على تجنّب الخلافات، مقتنعةً بأنّها يجب أن تلتزم الصمت بينما يسيطر الآخرون على الحوار.

تقول ريم بهدوء: "كنت أعتقد أنّه ليس لي دور عندما يشتدّ النقاش. كنت أظن أن القيادة حكرٌ على مَن يملك صوتاً أعلى من صوتي". اليوم، ريم هي مَن تدير تلك الحوارات: 

"أصبحتُ أعرف كيف أقود النقاش. وأدركتُ الدور الذي يمكن لنا نحن الشابات أن نلعبه في خلق المساحات التي ننتمي إليها".

رحلة ريم من مرحلة الصمت إلى التعبير عن صوتها وآرائها ليست قصتها وحدها؛ فهي تعكس تحوّلاً أوسع تشهده أربع جامعات كبرى في لبنان: الجامعة اللبنانية وجامعة القديس يوسف في بيروت وجامعة بيروت العربية والجامعة الأميركية في بيروت.

 ضمن  إطار المشروع الأممي بعنوان "مشاركة النساء في القيادة"، أصبحت الحرم الجامعية مساحات ملائمة للحوار، والتدريب على القيادة، والمشاركة الشاملة، مما يمكّن  الشابات على شقّ طريقهنّ إلى مواقع يكتسب فيها صوتهن قيمة حقيقية.

إيجاد الثقة

ينضج شباب وشابات لبنان في ظل أزمات اقتصادية وسياسية وصراعات متكررة تلمّ بالبلاد. لكن الحواجز التي تواجه الشابات تظل أكبر حين يتعلق الأمر بأدوار قيادية.

لمواجهة هذه التحديات، تعاونت منظمات الأمم المتحدة في لبنان، عبر هيئة الأمم المتحدة للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مع أربع جامعات لبنانية لإنشاء مساحات آمنةوشاملة تُتيح للطلاب ممارسة القيادة المدنية. شاركت نحو 250 شابة في ورش عمل ومشاريع مجتمعية، لم تكتسب من خلالها المهارات فحسب، بل أيضًا الشجاعة للانخراط والمبادرة.

في الجامعة الأميركية في بيروت، تستذكر دانا الهاشم عامها الأول قائلة: "لم أكن أعلم ماذا ينتظرني، وكنت أشعر بالضياع التام." بعد مشاركتها في البرنامج المدعوم من الأمم المتحدة، بدأت دانا بالتعبير عن رأيها في الحرم الجامعي وراحت تنظم الفعاليات، وتوجّه زميلاتها. وتضيف قائلةً: "الآن أحب مساعدة الطالبات الأصغر سناً اللواتي يَمرّرنَ بما مرَرتُ به، سواء في الدراسة أو الأندية أو الحياة الطالبية".

قُدوات تُلهم التغيير

بالنسبة للكثيرات، جاءت نقطة التحول في حياتهنّ عندما التقَينَ نساء قائدات يشبِهنَهنَّ.

تقول ليوني لاواندوس: 

" تغيّركل شيء عندما شاركتُ في جلسة حوارٍنظمتها الأمم المتحدة، بحضور ومشاركة نائبات من لبنان حول المشاركة السياسية للنساء. لم يكتفينَ بتحدّي النظام السياسي والاجتماعي القائم، بل فرَضنَ وجودَهنَّ في صلب هذا النظام. فقد  أظهَرنَ لنا أننا لا نحتاج إلى إذنٍ، فنحن ننتمي إلى طاولة النقاش كمواطنات متساويات."

أما جنى خير الدين، فقد ألهمتها النائب حليمة قعقور عند  مشاهدتها تتحدث في إحدى جلسات البرلمان اللبناني، قائلةً: "لدينا الحق في أن يُسمع صوتنا، ليس فقط في القضايا المتعلقة  بالنوع الاجتماعي والمساواة بين الجنسين، بل في كافة القضايا الحيوية. فنحن في  مقام الرجال وكل الجالسين على تلك الطاولة، ونستحق الاحترام."

مساحة آمنة في زمن الأزمات 

في ظلّ أزمات لبنان المتتالية، وجدت نُهاد حاج، من الجامعة اللبنانية، ملجأها في التمارين المسرحية الخاصة بتعزيز القيادة الفردية التي نفّذتها جمعية "أوند" بالتعاون مع الأمم المتحدة. 

تقول نُهاد: "في كل لحظة عملنا سوياً، كنتُ أشعر أنّ شيئاً ما يتغيّر بداخلي". "لقد أنشأنا مساحة آمنة خالية منا الأحكام المُسبقة، حيث يتمتع كل شخص بحقّ التعبير عن رأيه."

لقد كشفت تلك المشاهد المسرحية الارتجالية عن قدرتها على التعبير عن الحقيقة والإصغاء بعمق. وأصبح ذلك المسرح بالنسبة لنُهاد منصّة لانطلاق ورشاتها الخاصة بسَرد القِصَص، حيث تتحول المعاناة إلى قوة صمود جماعية.

وفي جامعة القديس يوسف، رأت هلا دلول في هذه اللقاءات مساحة تتجاوز حدود الصفوف الجامعية، قائلة: "رغم كل التحديات، لم نُفَوِّت جلسة واحدة. لقد أصبحت مساحتنا الآمنة، حيثُ كَبِرنا ليس فقط كطالبات، بل كصانعات تغيير."

من التعرّف إلى الأفعال

ما إن انتهت الجلسات التدريبية، حتى تحوّل ما تعلّمه الطلاب إلى مبادرات حيّة تنبض على أرض الواقع. ففي جامعة بيروت العربية، قادت ديانا حامو وزميلاتها حملات بيئية لنشر الممارسات الصديقة للبيئة، قائلة: "كانت هذه طريقتنا الخاصة لنُحدث فرقاً ونساهم في قضية حيوية تهم الجميع."

وفي الوقت نفسه، اختارت طالبات أخريات، مثل سارة يونس، أن يفتحْنَ أبواب المشاركة الديمقراطية في حرم الجامعة من خلال دعم الانتخابات الطلابية وتعزيز الحوار السياسي.

وهكذا تحوّلت كل مبادرة أطلقنها – سواء في مجال البيئة، أو المساواة، أو الحياة المدنية –إلى فعل تمكيني بذاته، ودليل حيّ على أن الشابات لا ينتظرن دعوة لتولي أدوار قيادية، بل يَصنعنها بأنفسهن.

إعادة تعريف القيادة

إنّ ما يجمع  هذه القصص الفردية هو إعادة النظر بمفهوم القيادة نفسها. فبالنسبة لهؤلاء الطالبات، القيادة  لم تَعُد مرتبطة بالهَرمية  أو فرض الآراء بالصوت المرتفع ، بل تعني الشمول، والشجاعة، وصناعة مساحات يشارك فيها الآخرون في القيادة أيضا.ً 

في بلد لا تشغل فيه النساء سوى أقل من 7% من مقاعد البرلمان وغالباً ما يتم تهميش أصوات الشباب، قد تبدو هذه التغيّرات بسيطة، لكنها تحمل أثراً عميقاً . فهي تبشّر بنمط مدني جديد، حيث لا تقتصر أدوار الشابات على حضورهنَّ فحسب، بل يمتد ليشمل صياغة المسار ورسم ملامحه.

كما تقول جنى: "اليوم، عندما أتكلّم، لم أعد أتساءل إن كنت أنتمي إلى المكان. أعلم تماما أنني أنتمي إليه، وسأبقي هذا المجال مفتوحاً لغيري أيضاً، كي تبقى ّ أصوات النساء مسموعَة ومُحترَمة في جميع القضايا."

*********

تُنفّذ هذه المبادرات من قبل هيئة الأمم المتحدة للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بدعم من حكومة كندا، وبالشراكة الوثيقة مع عدد من الجهات المحلية.

إنّ قصص هؤلاء الشابات ما كان لها أن تتحقق لولا الدعم السخي من حكومة كندا، التي تُعَدّ من أبرز الجهات المانحة للبنان. فمنذ عام 2016، قدّمت كندا ما يقارب 540 مليون دولار أميركي للبنان، دعمت من خلالها مجالات حيوية كالحماية والمساواة بين الجنسين والاستقرار الاجتماعي والأمن الغذائي والصحة، وغيرها. كما تُعدّ كندا من أبرز الداعمين لآليات التمويل المشتركة، من خلال مساهماتها في كلٍّ من الصندوق الإنساني للبنان (LHF) وصندوق التعافي للبنان(LRF) . لمزيد من التفاصيل حول المساعدات الدولية للبنان، يمكن الاطلاع على تقارير تتبّع المساعدات على الرابط التالي:https://lebanon.un.org/en/110415-aid-lebanon-tracking-development-aid-received-lebanon